بقلم كالينغا سينيفيراتني
سيدني (IDN)- من محاسن جائحة كورونا (كوفيد-19) أنها قد توفر لنا فهمًا أفضل لمفهوم حماية التنوُّع البيولوجي والحظر العالمي لتجارة الحيوانات البرية بغرض تناول لحومها.
كانت الأنباء المنتشرة بـأن مصدر فيروس كورونا (كوفيد-19) هو أحد الأسواق الرطبة في مدينة ووهان الصينية -حيث تُباع الحيوانات البرية بغرض الاستهلاك الآدمي- السبب وراء تحرك الحكومة الصينية لحظر تجارة الحيوانات البرية وكذلك إطلاق حملة دولية بهذا الصدد لجعل هذا الحظر قانونًا دوليًّا قابلًا للتنفيذ.
ففي السوق الرطبة بووهان، وغيره من الأسواق التي على شاكلته عبر الصين وفيتنام يُباع العديد من الحيوانات البرية مثل: صغار الذئاب الحية، والسمندل، والتماسيح، والعقارب، والفئران، والسناجب، والثعالب، و قط الزباد والسلاحف للاستهلاك الآدمي.
ومع ذلك، يُعد استخدام عبارة الأسواق الرطبة في وسائل الإعلام العالمية من الأمور الخطيرة؛ ذلك أن تلك الأسواق توجد حاليًا عبر القارة الآسيوية بما في ذلك سنغافورة النظيفة، حيث لا تُباع الحيوانات البرية فيها. حيث تُباع في تلك الأسواق الرطبة حيوانات المزارع والأسماك والخضراوات، ويُطلق على تلك الأسواق ذلك الاسم؛ لأن الباعة يغسلون أكشاك السوق لأغراض النظافة الصحية قبل عرض أصناف الأغذية للبيع.
وُتعد “الأسواق الرطبة” مقصد الفئات الفقيرة من المجتمع حيث تأتي إليها تلك الفئات لتبتاع احتياجاتها اليومية بسبب قلة التكلفة وانخفاض أسعار الأغذية في تلك الأسواق عن نظيراتها التي تُباع في المتاجر فضلًا عن كونها طازجة. وفي منشورٍ له عبر إحدى المُدَوَّنات، ذكر المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED) أنه بدلًا من إلقاء اللوم على “الأسواق الرطبة”، علينا دراسة حالة الازدهار التي تشهدها تجارة الحيوانات البرية، حيث صرَّح كلٌّ من إريك فيفر وسيسيليا تاكولي في مدونتهم قائلين: “إن الحيوانات البرية هي العوائل الطبيعية للفيروسات أكثر من حيوانات المزارع”.
عند الحديث عن تجارة الحيوانات البرية لأغراض الاستهلاك الآدمي سواء كانت هذه التجارة مشروعة أم غير مشروعة فإننا نتحدث عن تجارة تُقدَّر بمليارات الدولارات وهي واحدة من أخطر المصادر المُهدِّدة للتنوع البيولوجي. حتى قبل تفشِّي جائحة (كوفيد-19)، كان علماء البيئة وعلماء الفيروسات قد حذروا من خطورة الإخلال بالتنوع البيولوجي وظهور الفيروسات الجديدة بسبب التعامل المباشر بين البشر وبين الحيوانات البرية عن طريق تدمير الغابات من أجل عمليات البناء والتطوير مثل بناء الطرق وخطوط السكك الحديدية وتوسعة الأراضي المزروعة وبناء الموائل البشرية.
وفي عام 2008، توصَّل فريق من الباحثين من كلية البيئة والتنوُّع البيولوجي التابعة لجامعة كلية لندن إلى اكتشاف 335 مرضًا ظهرت في الفترة ما بين 1960 إلى 2004، 60% منها على الأقل كان سببها الحيوانات.
كما أن معظم الجوائح العالمية التي تفشَّت في العالم على مدار العقود الثلاثة الماضية كان سببها العوامل المُمْرِضة من الحيوانات إلى البشر ومن بين تلك الجوائح: الإيبولا في عام 1996، وسارس في عام 2003، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفُّسية في عام 2012، وإنفلونزا الطيور في عام 2013- وفي جمعيها انتقل الفيروس من الحيوانات إلى الطيور ومنها إلى الإنسان.
وفي الثاني من فبراير، صدر عن الذراع القوية للحزب الشيوعي الصيني -متمثلة في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب برئاسة الرئيس شي جين بينغ- بيان يحظر بيع الحيوانات البرية لأغراض الاستهلاك الآدمي عبر الصين.
“يجب علينا تشديد الرقابة على الأسواق، وأن نفرض حظرًا تامًا على تلك الأسواق والتجارة غير المشروعة للحيوانات البرية ونُضيِّق عليها الخناق وأن نراقب المخاطر الأساسية التي تُهدد صحة البشر وذلك من مصدرها”، أو كما ذُكر في البيان. ومع ذلك تُشير التقارير التي نُشرت مؤخرًا في وسائل الإعلام الدولية إلى أن بعض أسواق الحيوانات البرية تلك أعادت فتح أبوابها من جديد الأمر الذي يشكك في جدية الحكومة الصينية في تنفيذ هذا القرار.
وفي الوقت ذاته، ثمة حملة دولية تحاول استجماع قوتها من أجل فرض حظر على أسواق الحيوانات البرية. كما تقدمت لجنة الأطباء من أجل الطب المسؤول -وهي منظمة يقع مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية وتروِّج للطب الوقائي النباتي وتضم في عضويتها 12,000 طبيب- بالتماس تطالب فيه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية (WHO) بفرض حظر على أسواق الحيوانات البرية.
وبحسب ما ذكره موقع LIVEKINDLY Media -وهو موقع إخباري أمريكي للترويج للنباتيين- فقد وقَّع على هذا الالتماس 225 طبيبًا بما في ذلك طبيب أمراض القلب والسمنة إريك ج.براندت، من كلية الطب بجامعة ييل، وميشيل إل أو دونو الأستاذة في كلية الطب بجامعة هارفارد.
ولقد أشار المُوقِّعون على الالتماس إلى أن أسواق الحيوانات الحية لا تقتصر على الصين فحسب بل توجد حول العالم أيضًا بما في ذلك دول أوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية كذلك. وقد صرَّح الأطباء في ذلك الالتماس قائلين: “تُعد أسواق الحيوانات الحية بيئة خصبة للفيروسات التاجية، ولقد تسبب عدم إغلاق سوق واحد من أسواق الحيوانات الحية في الصين إلى تفشِّي جائحة أدَّت إلى إغلاق عدد لا حصر له من الشركات حول العالم كما حصد أرواح العديد من البشر وتسبب في دمار اقتصادي كبير.
وبحسب صحيفة الغارديان اللندنية فقد دعت الأمينة التنفيذية بالنيابة لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوُّع البيولوجي السيدة/ إليزابيث ماروما مريما إلى فرض حظر دولي على أسواق الحيوانات البرية للحيلولة دون تفشِّي أي جوائح مستقبلية إلا أنها حذَّرت أيضًا من العواقب غير المباشرة لذلك الحظر.
كما صرَّحت إليزابيث لصحيفة الغارديان قائلة: “علينا تذكر أن لدينا مُجتمعات -وخاصة في المناطق الريفية المنخفضة الدخل في أفريقيا على وجه الخصوص- تعتمد على الحيوانات البرية من أجل توفير سبل العيش لملايين من البشر؛ ولذا فإنه ما لم نوفر بدائل لتلك المجتمعات فقد يؤدي ذلك إلى مخاطر نمو التجارة غير المشروعة في الحيوانات البرية…إننا في حاجة إلى دراسة كيفية إحداث التوازن حيال هذه الأمور وفي الوقت ذاته تجفيف أي منابع للتجارة غير المشروعة قد تظهر في المستقبل”.
وفي أكتوبر 2019، أشارت إحدى المقالات التي نُشرت في مجلة “ساينتفك أمريكان” إلى أن هناك تجارة واسعة النطاق في الحيوانات البرية في المناطق الاستوائية التي تشهد تنوعًا بيولوجيًا، وثمة ما يصل إلى 8,775 نوعًا من الحيوانات البرية مُعرضة لخطر الانقراض بسبب تلك التجارة، وقد دعت المقالة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية لا أن يقتصر دورنا على رد الفعل فقط للقضاء على تلك التجارة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يتزعم السيناتور ليندسي غراهام دعوات تطالب الصين بالإبقاء على أسواق الحيوانات البرية لديها مُغلقة، على خلفية ما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية بأن تلك الأسواق أُعيد فتحها. ومؤخرًا في شهر أبريل الماضي، دعا أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المُشَرِّعون إلى التوقيع على خطاب مُوجَّه إلى سفير الصين بالولايات المتحدة الأمريكية “يحث فيه الصين على الإغلاق الفوري للأسواق الرطبة من أجل سلامة العالم أجمع”.
وفي مقابلة إذاعية بُثَّت في 3 أبريل، دعا رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون إلى تحرك دولي وحظر شامل على “الأسواق الصينية الرطبة”، وتأتي دعوته بعد ما تداولته وسائل الإعلام الأسترالية من أخبار لإعادة فتح أسواق الحيوانات البرية في الصين بعد أن أغلقتها الدولة لمدة شهرين ضمن مساعيها للقضاء على الفيروس.
وبحسب ديفيد كوامن، مؤلف كتاب “الآثار غير المباشرة: العدوى الحيوانية والجائحة التالية”، فإذا كان سيجري إيقاف هذه التجارة في الحيوانات البرية من أجل الاستهلاك الآدمي في جميع أنحاء العالم، فسنكون في حاجة إلى النظر إلى الصورة الكبرى للسلوك الإنساني وتخريبه للتنوُّع البيولوجي.
كما صرَّح في مقالٍ له نشر مؤخرًا في جريدة نيويورك تايمز قائلًا: “لقد غزونا الغابات الاستوائية وغيرها من المناطق البرية التي تُؤوي العديد من أنواع الحيوانات والنباتات- وهذه المخلوقات يعيش بداخلها عدد لا حصر له من الفيروسات، وأضاف: “إننا نقطع الأشجار، ونقتل الحيوانات أو نأسرها ونرسلها إلى الأسواق، الأمر الذي يُخلُّ بالنظام البيئي، ، وبذلك لا تجد الفيروسات كائنات لاستضافتها. وعندما يحدث ذلك تكون تلك الفيروسات في حاجة إلى موائل جديدة، وغالبًا ما نكون نحن وجهتها”. “[IDN-InDepthNews – 10 أبريل 2020]
صورة: الأسواق الرطبة في إندونيسيا. بعدسة كالينغا سينيفيراتني | INPS-IDN