كتَبَهُ رضوان جكيم
نيويورك (IDN) – نشأت منطقة الدمار نتيجة لما تم تسميته “إحدى أسوأ الكوارث البيئية على كوكب الأرض” عبرت حدود آسيا الوسطى، مطالبةُ بإجراءاتٍ عاجلةٍ من المجتمع الدولي.
تحمل الرياح لمسافات طويلة أكثر من 150 مليون طن من الغبار السام كل عام من قاع بحر آرال الجاف إلى سكان آسيا وأوروبا وحتى في المنطقة القطبية الشمالية المأهولة بالسكان.
وقبل أن يتقلص، كان بحر آرال رابع أكبر بحيرة في العالم – بعد بحر قزوين والبحيرات العظمى في أمريكا الشمالية وبحيرة تشاد – وهي واحةٌ في صحراء آسيا الوسطى تغذي جميع المدن المجاورة. يتميز البحر بتوفير منطقة مزدهرة لصيد الأسماك ومنتجع.
لكن منذ ستينيات القرن العشرين، بدأت مياه البحيرة تجف بسرعة وذلك بسبب أنه تم تحويل الأنهار الرئيسية التي تغذي البحر جزئيا، أمو داريا وسير داريا، إلى مشاريع سوفييتية لري القطن وحقول الأرز. تحولت الواحة إلى صحراء بيضاء متصدعة مع جزر مليئةٍ بالسفن الصدئة.
بدأ عصر المشاريع لإنقاذ بحر آرال منذ ذلك الحين. تم إنقاذ الجزء الشمالي من قِبَل كازاخستان. في البداية، بدأ العمل على بناء سد كوكارال لإيقاف زحف المياه إلى الرمال.
عندما بدأت المياه بملء البركة الجافة، بدأ علماء الأحياء في استعادة النباتات والحيوانات. لم تذهب تلك الجهود سدى: وصل منسوب المياه الآن في آرال الصغيرة إلى 50 مترًا، وانخفض تركيز الملح في اللتر الواحد بقدرٍ كبيرٍ بحيث أصبحت البركة مرة أخرى مناسبة للأسماك، التي يتجاوز عدد أنواعها في الوقت نفسه أكثر من عشرين نوعًا.
وبفضل التدابير المتخذة في منطقة كازاخستان، تمت استعادة ما يسمى بآرال الصغيرة، ولكن هذه ليست سوى 1/20 من مساحة المياه و 1/40 من الكتلة المائية للبحر السابق. بقية آرال السابقة هي الآن صحراء بلا حياة.
لم تشرح كازاخستان خطة العمل فحسب، لكنها نجحت أيضًا في الحصول على قرضين من البنك الدولي لمشروع “تنظيم سير نهر داريا والحفاظ على الجزء الشمالي من بحر آرال”. تبلغ التكلفة الإجمالية للمرحلتين أكثر من 200 مليون دولار.
يعطي مثال إحياء آرال الصغيرة الأمل للعلماء أنه من الممكن أيضًا إحياء بحر آرال. لكن هذا يتطلب دعمًا ماليًّا كافيًا وإرادة سياسية ونهج علمي ذو كفاءة.
أولاً: من الضروري تحسين قنوات الري القديمة في أوزبكستان وتركمانستان. ثانيًا: رفض التحفّظ على مستودعات صغيرة في دلتا أمو داريا، والتي تتبخر في الصيف على أي حال. يمكن توجيه هذه التدفقات لملء الجزء الغربي من آرال العظمى، حيث لا يزال هناك ماء. ثالثًا: من الضروري التخلي عن زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى الرطوبة، والتي على الرغم من الكارثة البيئية فهي تستمر في النمو على مستوى صناعي في أوزبكستان وتركمانستان.
يدرك الجميع أن البحر الجاف كارثة واسعة الانتشار، فإن عواقبه إن لم يتم التعامل معها، ستظل محسوسة في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة. يتجاوز عدد الأشخاص المتأثرين بجفاف بحر آرال بالفعل إلى 5 ملايين شخص. هؤلاء هم الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض المريء وسرطان الحنجرة وحتى العمى في مواجهة تلك الكارثة البيئية.
بناءً على هذه الخلفية، اجتمع رؤساء الدول المؤسسة للصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال – كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان – في تركمانستان في 24 أغسطس 2018. كان الاجتماع مميزًا. على الأقل لأن آخر مرة التقى بها مندوبو هذه القمة كانت قبل تسع سنوات. كانت هناك بعض الأسباب الملحة لإجراء مفاوضات جادة. ومع ذلك، فدائمًا ما توجد خلافات وتغلب على المصلحة العامة.
الآن هناك اتجاه واضح نحو التقارب بين دول المنطقة. وقد أبدت دول آسيا الوسطى عزمها على الاتفاق حتى على أكثر البنود إشكالية في جدول الأعمال العام. يبقى أن نأمل أن بحر آرال لن يكون استثناءً.
ستكون تقديرات المشاريع لإنقاذ بحر آرال العظيم أكثر بعدة مرات من ذي قبل. ولكن بُناءً على مخاوف المجتمع الدولي والتقديرات المخيفة للباحثين الدوليين حول عواقب الجفاف الكامل للبحر، ويجب ألا تكون هناك مشكلة في جمع الدعم المالي الكافي. كل الأسباب لشحذ الإرادة السياسية بين جميع البلدان موجودة بالفعل ومتصلة بواسطة نظام مياهٍ واحدٍ مع بركة تجفيف وأنهار تغذيها.
بناءً على ذلك، إذا أعلنت أوزبكستان استعدادها لإنقاذ البحر، ينبغي على سلطات البلد أن تدرك أن هذا سيستلزم تضحيةً بمشاريع لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في قاع الحوض المجفف. سنحتاج للاختيار بين البيئة والصحة العامة من ناحية والإيرادات الوهمية من إنتاج الهيدروكربونات من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق، يأمل منظمو القمة التي تُعقد في تركمانستان أن يلفتوا انتباه المؤسسات المالية الرائدة والمنظمات الدولية والشركات الأجنبية ومجتمع الأعمال ككل لفائدة البيئة.
تُبنى الآمال على عقد الاجتماع التاريخي الأخير لرؤساء الدول المؤسسة للصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال، والذي تم عقده بعد عِقدٍ من الزمان تقريبًا، ستفتحُ فصلًا جديدًا في أنشطته مما يُعطي زخمًا قويًّا للشراكة الإقليمية في آسيا الوسطى. [IDN-InDepthNews – 14 نوفمبر 2018]